الصعيد مليان أبطال منعرفش عنهم حاجة، مكنوش بيسعوا لمجد شخصي ولا تخليد التاريخ لإسمهم، لكن كان دمهم حامي وبيحبوا بلدهم بكل صدق ووطنية وإخلاص، ودمهم الحر كان ممكن يخليهم حتى يتصرفوا تصرفات هتأذيهم وتأثر على مراكزهم وشغلهم، خاصة لما يكونوا شغالين في مكان حساس زي الشرطة، لكن الصعيدي الحق دايما بيظهر في المواقف الصعبة وبيبان قد إيه هو دمه حر بصحيح ومجبتوش ولّادة، وبيرمي أي حاجة ورا ضهره قصاد مصلحة بلده.
في سنة 1919 قامت الثورة، وطبعا امتدت للصعيد وكان في معارك طاحنة بين الأهالي العُزّل اللي سلاحهم الأول الإيمان بالله ثم الرجولة والشجاعة والأدوات البسيطة، وبين الإنجليز بأسلحة حديثة لكن بنفوس ضعيفة، وهنا أهل الصعيد كعادتهم وقفوا على قلب رجل واحد من أهالي لشرطة لكل الفئات، ومن أبرز أبطال الظل من الشرطة البكباشي محمد كامل مأمور لبندر أسيوط اللي كان عنده تعليمات بتشديد الحراسة لحماية الإنجليز، لكن المأمور البطل قرر إنه يرمي أي حاجة ورا ضهره ويساعد الأهالي ضد الإنجليز، ففتح لهم غرفة «السلاحليك» على مصراعيها وساب الثوار ياخدوا منها البنادق والطبنجات وكل الموجود عشان يقدروا يواجهوا أي معركة مع مغتصبين الأرض.
ورغم إن مديرية أمن أسيوط، بعتت قبلها لجميع مراكز ونقط الشرطة لتشديد الحراسة على محطات القطر لإن كان في قطر من الاقصر راكب فيه كبار الظباط الانجليز وكانوا في طريقهم للقاهرة، إلا إن الظباط المصريين ملتزموش بكل دا وعلى العكس بلغوا الأهالي عشان تتحرك بالفعل جموع الثوار من القرى والنجوع لمحطة ديروط، عشان أول ما يقف القطر يقتحموه، وبالفعل دا اللي حصل ودوروا الضرب في الإنجليز فقتلوا منهم اثنين من الظباط و٥ من العساكر.
طبعا الحادثة صداها سمّع في أسيوط، والإنجليز كانوا عايزين ينتقموا فشددوا الحصار على المدينة، وبعت القائد البريطاني رسالة الى البكباشي محمد كامل مامور البندر يطالبه فيها بالتسليم فكان جواب الظابط: «لن تدخلوا المدينة إلا فوق اشلائنا»، وجه الرد عنيف من الإنجليز، فأمطروا المدينة بوابل من النيران.
بس المأمور البطل مستسلمش ووزع كل الأسلحة المتوفرة على الأهالي وأمر العساكر والظباط بالدفاع مع الأهالي عن المدينة، إلى ان وصلت تعزيزات هائلة من القاهرة، وكان أول مافعلته القوات البريطانية اعتقال مأمور أسيوط و تقديمه للمحاكمة العسكرية بتهمة التفريط في السلاح الميري و تحريض الأهالي على التمرد وأصدرت المحكمة حكمها بالإعدام وتلقى البكباشي محمد كامل الحكم في شجاعة نادرة، واتعدم بالفعل يوم ١٠ يونيو ١٩١٩ رميا بالرصاص.