عائلاتنا في الصعيد دايمًا مأصلة، لو بحثنا عنها هنلاقي جذور للأجداد لهم تاريخ وقصص متنتهيش، بعض العائلات عارفة تاريخها وبيتحاكى بيه أهل الصعيد بمجرد ذكر الاسم هتلاقيه نار على علم والناس بتردد عنهم قصص وحكايات.
من أبرز العائلات هي عائلة أبو زيد اللي منتشرة في معظم الصعيد ومتمركزين أكتر في المنيا وسوهاج، وكمان جزء منهم في وجه بحري وبعضهم في القاهرة، وهما بالأصل من قبيلة السوالم العربية، وتنسب هذه العائلة لاسم كبيرها أبو زيد السالمي، وجم مصر من شبه الجزيرة العربية مع الهجرات الإسلامية الأولى في القرنيين الأول والتاني الهجري، وسطرت العائلة دي في المنيا تاريخ مشرق وجديد بكفاحهم ورجولتهم المستميتة ضد الاحتلال البريطاني، وتحديدًا مدينة دير مواس.
العمدة أبو زيد سالم في دير مواس في أوائل القرن العشرين، كان عمدة عنده ذكاء فطري رغم أنه كان بسيط ومش متعلم، لكنه كان حريص على تعليم أبنائه وأولهم الدكتور خليل اللي رجع مصر بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة لندن قبل ثورة 1919 بأربعين يوم، وكانت مصر في الوقت دا مستعمرة بريطانية، الإنجليز بيستولوا على كل حاجة حتى الحمير والجِمال باعتبارهم بيساعدوهم في المجهود الحربي، ولما رجع الدكتور خليل بحسب رواية الدكتور إسماعيل أبو زيد، عضو اتحاد المؤرخين العرب، وهب خليل نفسه للكفاح ضد البريطانيين وبدأ يجتمع بالشباب وأهل دار المواس في قصر أبو مواس، ويشعل عندهم شرارة الكفاح والثورة ضد أي طاغي، ويرسخ عندهم الرغبة في الشعور بالحرية، وكان بيجتمع مع كل الأسر والعائلات، لأن “دير مواس” في الوقت دا كانت قرية متداخلة وترتبط عائلاتها بصلات نسب.
صورة لخليل أبو زيد سالم مفجر ثورة 1919
خليل مكنش راجل بتاع شعارات وكلام، بل اتفق معاهم إن لازم يكون في تعبير عملي عن رفض وجود الانجليز في البلد، فاتفق مع أهل البلد على مسيرة توصل لمحطة القطر، ويعبروا فيها عن رفضهم للاحتلال، وخطط إنه يلقي خطبة بالإنجليزي اللي كان بيتقنه بطلاقة، عشان يقول للإنجليز إن وجودهم غير مرغوب فيه، وفعلًا المسيرة خرجت يوم يوم 18 مارس 1919، ولما وصلت لمحطة السكة الحديد جت أخبار قالها البوليس المصري اللي كان متحالف مع الشعب في الوقت ده، إن المستر بوب مفتش السجون الإنجليزي هييجي في القطر دة، فحطوا خطة سريعة عشان يوقفوا القطر بالقوة ويلقي خليل الخطبة، لكن الموقف اتطور لحادث عنيف، وبدأ الإنجليز في التعامل بعنف مع الثوار وأطلقوا النار رغم سلمية المظاهرة، ولما لقوا المصريين كدة كانوا أشرس في المواجهة لإنهم بالطبع أشجع حتى لو مش بيملكوا السلاح المتطور، فاقتحم أهالي البلد البواسل القطر وقتلوا كل الإنجليز اللي فيه.
وفي مشهد بيدل على الترابط والأخوة والوحدة الوطنية في سبيل البلد، بيحكي المؤرخ إسماعيل أبو زيد، إن أهل القرية كلهم اجتمعوا في جامع “أولاد محمود” المسجد الوحيد في القرية وقتها، واجتمع الكل مع شيوخ وقساوسة، المسلم يحلف على القرآن والمسيحي يحلف على الإنجيل بعدم الخيانة ومواجهة الإنجليز، لكن للأسف برضو حصلت الخيانة، من أحد الأشخاص لأسباب تتعلق بالتنافس على العمدية، وأبلغ الإنجليز.
اشتد غضب الإنجليز من الأهالي المراوغين، وحلفوا ليمثلوا بجثثهم حاصروا بالفعل دير مواس بالأسلحة والجمال والكرابيج، لكن مكنوش يعرفوا شكل أي حد من اللي بيخططوا ضدهم، فقط الخائن سرب لهم الأسماء، وكان الإنجليز مش عارفين يتكلموا عربي واللي بيتكلم إنجليزي في الوقت دا الدكتور خليل، فقالوله عايزين الأسماء دي، فقرأ القائمة لحد ما حفظها كويس ونصحهم ييجوا بالليل عشان يكونوا الفلاحين رجعوا من الغيطان ويقدروا يقبضوا عليهم، فشكروه ووعدوه بمكافأة ولما جم بليل اكتشفوا الخدعة وهرب الثوار ودبروا لهم مكيدة، ودا خلى الإنجليز يشيطوا من الغضب، فحلفوا ليعذبوا أهل القرية كلهم لدرجة إنهم كانوا بيكسروا بلاليص العسل والسمن جوة البيوت، ومن هنا جه لقب “بلد الدم والعسل” كما ذكرها عبد الرحمن الرافعي في كتاب تاريخ الحركة الوطنية، وقدروا يوصلوا بعدها الفعل للثوار وكان عددهم 35 واتحاكموا محاكمة عسكرية واتحكم عليهم بالإعدام، ومن بعدها بقى يوم 18 مارش عيد قومي في المنيا.
وهذه صفحة مشرقة اتخذتها محافظة المنيا عيد قوميًا لها في يوم 18 مارس من كل عام.

