في بحري لا نعرف زراعة القصب على نطاق واسع. لأنه إذا تمت زراعته بجوار أي محصول آخر فإنه يتسبب في تلفه.
لم أعرف أهمية موسم حصاد القصب إلا عندما قادتني الظروف للمرور على طول الطريق الزراعي من قنا حتى أسوان، حيث توجد ثلاثة مصانع رئيسية: في قوص، وفي أرمنت، والأشهر طبعا في كوم إمبو.
ارتبط – كما غيري من الذين لم يعيشوا في الصعيد وشاهدوا مسلسلات نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة – محصول القصب بأنه مخبأ مثالي للإرهابيين والخارجين على القانون، والحقيقة لم أكن أفهم ذلك، فما كنت أراه على الطريق الزراعي لا يعطي أي إحساس بالخطر.
حتى جاء يوم وكنت عائدا من الأقصر ولم يكن معنا أجانب، فطلب مني زميلي السائق أن يعرج على بيته في قرية “حجازة” ليرى والده المريض.
وعندما تركنا الطريق الزراعي ودخلنا من بوابة القرية، فهمت على الفور. مساحات شاسعة من القصب، لا أول لها ولا أخر، يتوسطها طريق أسفلتي ضيق. هناك أيضا الجبل الذي كان قريبا جدا من الزراعات.
له الحق منصور الحفني في فيلم الجزيرة، عندما حذر ضابط الشرطة طارق بيه من أن يتبعه للخروج من غيط القصب، وإلا لبقي ل”يوم الدين”.
يبقى أطرف موقف حصل لي، عندما كنا في الطريق لأسوان، وعند مصنع كوم إمبو رأى الأجانب الأطفال وهم يجرون وراء الجرارات ويشدون عيدان القصب بفرحة غريبة، ولما قلت لهم أنهم يمضغونه لاستخلاص عصيره طلبوا أن يجربوه. توقفنا وطلب السائق من أحدهم “عودين قصب” فأعطاه “لِبشة” كاملة. وظل الأجانب – بعد جهد في تدريبهم – يقشرون ويشربون “عصير قصب” من المنبع نفسه (كما قال أحدهم).
… كل سنة وإحنا طيبين.