لأولِ مرةٍ بالأمس
كانَ الليلُ أسود
كمولودٍ زنجيٍ أصيل
صامتًا
كرسالةٍ لم يفتحها الحبيب
طويلًا
ككُم قميص أبي حين أرتديه
مندهشًا
كطفلٍ يسأل: من خلق الله؟
كئيبًا
كقناةٍ لا تذيعُ سوى أخبارِ الحروب
و الهلالُ يعطي لي ظهرَه
حاضنًا السماءَ كرغبة جائعة
والجهاتُ يسيلُ منها رنينُ الطفولة النحاسي
كوعاءٍ يُحسنُ طهوَ جميعِ الطعام
كنتُ أريدُ أن أقولَ للهِ كلامًا قبل أن يخلقَني:
إذا منحتني خيشومًا وزعانف
فلا تجعلني أنقرض
إذا خلقتني عطرًا اجعلني صلبة
كي لا أتهاوى من الأخيلة
إذا جعلتني شمسًا فعلمني السهر
لأشعلَ أغاني العاشقين
فالقمرُ يفشلُ أحيانا
إذا شكلتني ماءً فاخلق مني آدم
وإذا جعلتني آدم فاجعلني قابلًا كلَّ صورة
جلدي سبعٌ كما الأراضين
قلبي جحيمٌ كقلبها
دمي سماواتٌ حمراء
بكل سماءٍ.. جنيٌّ ونبيٌّ وكراتٌ بيضاء
فمي يوسفُ وعيناي نسوةٌ يقطعن أيديَهن.
في يميني يجلسُ العجائز على ضريحي
يعرفون اللهَ، ويعرفُهم الحمامُ
رأسُهم يدورُ على متاريسِ المحبةِ
” متى يا كرامَ الحي عيني تراكمُ “
في شمالي أريكةٌ لنيتشه
يصب الأنا.. أنتفخُ
أصيرُ اسفنجًا
وتنبتُ فقاقيعُ على رأسي من فرطِ الامتلاء
يعرفني الضوءُ، تخرجُ حرارتي
تتكاثرُ ظِلالي وكلُّ ظلٍّ يقضم تفاحتَه
وفي المنتصف
ألفُ مائدةِ عشاءٍ أخير
بدلَ الكؤوسِ أوراقٌ و أقلام
وأنا كأسُها المقدسةُ
الرسمة الفاتنة
أجذبُ رغبتَهم في الوصفِ
فيُسقطون في الورق الفتات
أيها الشجرُ العاري هذا العريُ منك
أيتها الحقيقةُ المستترةُ هذا الصدقُ منكِ
من أخبرَ الأطفال أني لست طفلة؟!
من كذبَ على الأغاني أني لستُ أغنية؟
من أخبرَ الليلَ أني لا اريدُ حضنه
فصار أسود ؟!
على الإنسانِ أن يكونَ حوتًا صغيرا
ليَصلح معبدا لليونسيين
فالتوبةُ التي تأتي من الداخل
أفضلُ كثيرًا من قضمِ الزعانف
كيف أقنعُ الليلَ أني لستُ ربّةً للظلام؟!
لكنِّي إفلاتةُ الوجودِ من قبضةِ العدم
ولا أريدُ الالتفاتَ للوراء