“المصري معروف بجبروته وبقوته”، إفيه مشهور لمحمد هنيدي، لكن لما نركز فيه هنلاقيه حقيقة مية في المية، وخاصة لو كان صعيدي، ميسيبش أرضه للغريب حتى لو هيضحي بدمه ويقف بطوله قدام أي معتدي بيحاول يسرق تراب بلده ومستحيل يسمح لغريب يشاركه في شبر منها، حتى لو كان الغريب أقوى منه بمراحل، ودا بالظبط اللي حصل في قنا من حوالي 224 سنة، وتحديدًا في 1799وقت ما جت حملة فرنسا بقيادة نابليون لقرية البارود.
جه نابليون وقتها فاكر إن بأسطوله البحري القوي وأسلحته الحديثة هينتصر على القناوية، لكن الصعيدي ميقدرش عليه إلا اللي خلقه، وعنده سلاح أقوى من أي حاجة وهو الشجاعة والبسالة وقبلهم الإيمان بالله ثم إيمانهم بقوتهم، فوقفوا زي الأسود في وش العدو بالنبوت والعصيان، وطبعًا لك أن تتخيل إن حاجات بسيطة زي دي بتحارب أحدث أسلحة في الوقت دا، منطقيًا الحملة هتكسب، لكن قوة أجدادنا الصعايدة فاقت أي منطق ووقفوا على قلب رجل واحد وفي معركة طاحنة عنوانها بسالة رجالتنا القناويين، وفعلًا انسجب نابليون وأفسدوا عليه خطته الاستعمارية لوجه قبلي.
بداية القصة لما قرر نابليون غزو وجه قبلي بخطة عسكرية كان فاكر إنها مُحكمة، وهدفه الأول القضاء على المماليك اللي كانوا بيسكنوا الصعيد في الوقت دا، والبداية كانت بقرية سمهود التابعة لمركز أبوتشت شمالي قنا، ونفذت قوات الأسطول الفرنسي ضربة عسكرية ناجحة في 22 مارس 1799 في معركة سمهود ونجحت في القضاء على المماليك بقيادة الجنرال «ديزيه» وهزمت قوات مراد بك هزيمة ساحقة، بعدها خرج المصريين في مواجهة مباشرة مع الفرنسيين في قرية دندرة، ولأن الحاجة أم الاختراع، فكر وقتها الأهالي في حيلة ذكية لصد الهجوم الفرنسي، وقتها جمع الأهالي الأحطاب والتبن وولعوا فيها نار على ضفة النيل، فالدخان ملأ المكان وظن الفرنسيين أنها قرية مليئة بالأوبئة والأمراض ومقدروش يدخلوها.
الحيلة انتشرت في مدن الصعيد المختلفة، فاستخدمها عمدة قرية دنفيق بمركز نقادة جنوب قنا، ودارت بعدها معارك طاحنة بين المصريين والفرنسيين، خرج منها قائدهم بخسائر فادحة في 12 فبراير 1799 بمعركة أبو مناع في 17 فبراير ومعركة إسنا في 25 فبراير ودا كن السبب إن قائد الحملة يطلب المساعدة من نابليون، لكن مفيش حاجة فرقت مع رجالتنا القناوية، وقرية البارود اللي قسمت وسط الحملة، فنجحوا في هزيمة الأسطول الفرنسي المكون من 12 سفينة تتقدمها السفينة الحربية إيتاليا واستولوا على ذخائر الجيش ومؤنته.
وكان القناوية بينزلوا بمنتهى الشجاعة للنيل وقدروا يستولوا على سفن كتير، وحتى الخربية اللي كان بيقودها الأمير موراندي القائد الفرنسي العنيد اللى أمر جنوده بتفجير السفينة بعد صعود الصعايدة عليها فتناثرت أجساد الشهداء الابطال تحكي الأمجاد وتقول رجالتنا كانوا قد إيه شُداد.
“احنا الصعايدة ياللي ما بتعرفناش، وطننا وارض جدودنا ما بنبعهاش”، القناوية فعلًا انتصروا، وحوالي 500 ظابط وجندي وبحارة فرنسي مفيش حد نجا منهم، واعتبر نابلين إن دي أكبر خسارة حصلتله في مصر وحِزن حُزن كبير، واعتبرها بداية تقليص نفوذه في مصر، وبقى يوم 3 مارس عيد قومي في قنا بمناسبة الانتصار على الفرنسيين.