ستة أصابع
لم يستطع أن يفلت أي شيء بسهولة، كما أيضًا عانى في التقاطه، جاء إلى الدنيا بأصابع ستة، زاد عن الأُناس الطبيعيين بصباع زائد في كل يد من يديه الاثنتين.
بداية من طفولته لمّا بدأ في تحسس الأشياء وتعرفها ومسكها؛ يد أمه وألعابه، طرف السرير عندما حاول المشي لأول مرة فتمسك به ليقف، مِلعقة الطعام والأطباق، القلم والكتب بعدما كبر وذهب للمدرسة، عانى مع كل شيء، حتى لو لم تكن معاناته لها محل ووجود، كانت نظرته لغيره ترى أنهم بنقصهم عنه كاملون، ترسّخ في كيانه أن زيادته نقصان.
أمه كانت تقول من يولد بإصبع زائد فهو سعيد ومبخوت، رفضت أن تُجمّل له يديه بأية جراحات، فضّلت تركه هكذا ليستمتع ويتلقّى الحظ الذي منّته به منذ أن وعى على نفسه وعليها.
طار به العمر إلى شبابه وعرف الحب، أحب بزيادة وتمسك بشدّة أكثر، كأن قلبه كان به جزء زائد مثل يديه، أو كأن له قلبين في كل ناحية من صدره قلب، تشبّث بها لدرجة أنها صارت في مخيلته هي الحظ والسعد الذي وعدته به أمه، تركته وهو لم يتركها ولم يفكّر للحظة أن يبتعد لأي سبب كان، بعدما افترقا لم يجد أن أصابعه التي يعتبرها تميمته قد جلبت له نفْعًا، خضع لجراحة حرر معها يدًا من يديه، وعندما ماتت أمه رجع ثانية واستغنى عن الإصبع الإضافي الآخر.
شكل الانتظار
أستاذ وحيد؛ جاء رجل ما يسأل عنك من ساعات وأخبرناه أنك بعملك وستعود عصرًا.
ألم يترك اسمه لكم أو أية تفاصيل؟
للأسف عندما خرجت لأرد عليه وأخبره بغيابك، كان قد نزل من على السلالم ولم أره، فقط سمعت صوته.
اعتقد أن الأمر لا يتعدى كونه عابرًا قد يحدث مع أي شخص غيره، وارد أن يكون الشخص الذي سأل عليه قد أخطأه وهو يقصد وحيدًا آخرًا غيره.
لمّا تكرر الحدث ثانية، عندما أخبره صاحب محل في العمارة أن غريبًا جاء يسأل عنه، انشغل بالموضوع مجددًا، وخصوصًا أنه كالمرة الأولى لم يترك السائل ما يدل على هويته ليعاود التواصل معه.
وللمرة الثالثة والرابعة والعاشرة، يتم تبلغيه بأن هناك من يسأل عليه من دون أن يفصح عن شخصه، كل الجيران في العمارة وبائعي المحلات بالأسفل والجوار يوصلّون له الرسالة نفسها، قرر أن يأخذ إجازة لأيام حتى يكون موجودًا ليقابل هذا السائل المجهول، لم يرد أن يُقلق نفسه بأن أحدًا يقصده بشر من كل ذلك، فقط ترك التفسير عند اللقاء ووقى نفسه شر الشكوك والأسئلة، مضى يوم وراءه يوم ومعهم ثالث ولم يأت أحد، استغرب مما يحدث لكن كان لابد أن يعود لعمله، انتظم ثانية في شغله وقرر ترك الأمر برمّته إذا لم يحدث جديد، بالفعل مرّت أيام عديدة لم يطرقه المجهول الذي أرّقه لفترة، ظن أن المشكلة انتهت ولم يتطرق للتفكير بها حتى مع نفسه، وفي يوم أثناء عودته وجد نفسه مسحوبًا إلى أحد الجالسين من الباعة جيرانه، سأله لو كان أحد أتى وسأل عنه فأجابوه بلا، بدأ يشعر برغبة مضاعفة في أن يصل له، أصبح كل يوم يعود من العمل ويسأل أحد من الجيران، عن أحد قد سأل عنه في غيابه والجميع يجيبونه بالنفي.
بنتومايم
استقل بائع الفول عربته التي لن تسير خطوة ولم تدُر مرة في حياتها، رفع غطاء يومه الجديد عندما رفع الغطاء المحشور بكيس من على فم قدرة الفول، فتنفّست القدرة وابتسمت لصاحبها.
بدأ البيع والتف من حوله زبائنه المعتادون والطيّاري، كان عادلًا وديمقراطيًا لا يفرق بينهم ولا يميز أحدًا على حساب أحد، يبتسم في وجه الجميع ويعصر ضحكاته على كل الأطباق والسندويتشات، يحب كل مرتاديه نداءاته عن الرحلة التي سوف تتحرك حالًا بالعربة خاصته ويدعو للركوب سريعًا قبل اكتمال العدد.
حرّك الكبشة من الداخل للخارج بسرعة وخفة ولّدتهما العشرة، فهو يفهم عدّته وهي تفهمته من زمن، الكبشة كانت شبكته التي يصطاد بها الفول من بحر قدرته، أخرج صيده وفرّقه على من طلبه.
يُنهي يومه ويعود لمنزله مشيًا، سأله أحد مرّة ممازحًا لما لا يرجع البيت بالعربية فكان جوابه
أن منزله قريب وهو يخصصها فقط للمشاوير البعيدة.
استند على مكنسته وتعكّز عليها وهو يسير، بعدما فرغ من ورديته في الشارع، جلس إلى الرصيف يكنس ما علق بذاكرته طوال اليوم من مضايقات واستفزاز من الناس، نظرات متعالية من بعض سائقي السيارات أو تعاملات بها شبهة شفقة مؤذية.
تمسّك بمكنسته أكثر، كانت وستظل صديقته المخلصة منذ فترة طويلة، لا تتركه في الشارع يصارع مصيره وحده، يبحث عنها كل صباح قبل أي شيء، مسّد شعرها بيد والأخرى مرّ بها على يدها، رفع يده من على طرف المكنسة، ثم مررها على رأسه ليتفقد صلعته التي هجرها الشَعر منذ زمن، أعاد يده للمكنسة مربّتًا على شعرها، وفي نفسه أن لن يصيبها الصلع مثله حتى لو كلّفه الأمر أن يضع لها شامبو وهو يغسلها من التراب كل يوم آخر الوردية.